أصبح التضخم المالي والاقتصادي واقعا معاشا في كل دول العالم تقريبا، وخصوصا بعد أزمة كورونا، حيث كنا نسمع من قبل عن تضخم الليرة التركية التي تفقد قيمتها أمام الدولار، ثم الجنيه المصري الذي فقد الكثير من قيمته النقدية أمام الدولار.
لكن مؤخرا تطور الأمر لنسمع الكثير من الأمور من قبيل تضخم الأسعار، بل أننا أصبحنا نرى ذلك جليا في حياتنا اليومية، فما هو التضخم الاقتصادي؟
1) العرض والطلب
يخضع السوق لقانون العرض والطلب، حيث كلما زاد العرض عن الطلب نقص السعر، وكلما زاد الطلب عن العرض اترفع السعر، وهذا ما حدث مباشرة بعد أن توقفت سلاسل التوريد نتيجة الاغلاق الكلي أو الجزئي للعديد من الاقتصاديات العالمية من جراء تطور فيروس كرونا خصوصا في الصين التي تعتبر مصنع العالم.
وهذا النقص الحاد في السلع مع زيادة الطلب العالمي أدى إلى ارتفاع أسعار كل السلع الاستهلاكية، إضافة الى الزيادة في النفقات الحكومية بسبب تداعيات انتشار الفيروس التاجي والحاجيات الملحة التي كان على الحكومات أن تفي بها.
2) الأزمة العالمية
خرج العالم من أزمة كورنا بما لا يقل عنها من أزمات ، حيث مع انتعاش الاقتصاد العالمي، بدأت تظهر مشاكل جديدة، أولها ارتفاع أسعار النفط والقمح والمواد الأساسية في السوق الدولي، ورفع الولايات المتحدة لأسعار الفائدة لأجل جمع الدولار من الأسواق العالمية.
وضخ هذه الدولة الكبيرة لتريليونات الدولارات في اقتصادها لتجاوز تداعيات الأزمة، ما تسبب في خنق الاقتصادات الصغيرة التي تضخمت عملاتها الوطنية وهذا ما جعل الأسعار تصل إلى أرقام غير مسبوقة خصوصا في مصر والأرجنتين والكثير من الدول النامية الشبيهة.
3) الحرب الروسية الأوكرانية
وكأن العالم ينقصه المشاكل، لتشتعل حرب طاحنة بين واحدة من أكثر دول العالم تصديرا للنفط والقمح وهي روسيا ضد أوكرانية التي لا تقل أهمية في مجال تصدير القمح والمواد الخام، ما جعل العالم يواجه أزمة جديدة، أسعار الغاز ارتفعت مما جعل فواتير التدفئة في اوربا تصل لأرقام غير مسبوقة.
كما أن القمح الذي تصدره أوكرانيا وروسيا لدول العالم الثالث الفقيرة أصبح لا يجد طريقه للأسواق الدولية وهذا ما نتج عنه إضافة لشح هذه المادة الأساسية، أرتفع سعرها ما أضاف ضغوطات جديدة على الاقتصاد العالمي وأدى إلى تضخم إضافي، انهك السوق أكثر من السابق.
4) سقوط العملات الدولية تباعا
سقوط العملات نتيجة للتضخم أمر معتاد ويحدث دائما، ففنزويلا التي كانت من أغنى دول العالم وقعت ضحية لتضخم عملتها مع جعل شراء رغيف خبز يكلف الملايين، وهذا التضخم النقدي تتسبب فيه السياسات الحكومية التي ترى في طبع المزيد من الورق سيكون حلا للمشاكل.
فإذا به يجعل مشكلة اليوم أزمة الغد ولا تنتهي هذه الازمات إلى فموت العملة نتيجة التضخم ما يجعل الاقتصاد يسقط في الانكماش والانهيار، ورغم أن تضخم العملة لا مفر منه في الاقتصاد الحديث، إلا أن هذا التضخم النقدي ما لم يكن يرافقه نمو اقتصادي وصناعي وتطور في الخدمات والتجارة سيكون مجرد قتل للاقتصاد مع سبق الإصرار والترصد.
5) كيف نفهم التضخم ببساطة
إذا كنت سوف تحتاج إلى عشرة دولارات لشراء حداء رياضي اليوم، وعشرين دولار لتشتري نفس الحداء غدا، فهذا ما يسمى بالتضخم الاقتصادي السيء والذي لا يبشر بخير، أما إن كان ذلك التغيير في السعر سيكون بعد سنة فهو تضخم سيء يعني أن حكومة بلدك تطبع الكثير من الأوراق النقدية.
ومن هنا نستنتج أن التضخم هو تراجع القوة الشرائية للعملة وهو أمر سيء إن كان سريعا، يجعل من المال بلا قيمة، أما التضخم المقبول والذي لا مفر منه هو ذلك الذي يكون في حدود 2 الى 3 في المئة والذي يضيف بضع سنتات على سعر المنتج.
وقد لا يلاحظ ذلك في حالة كان التضخم الاقتصادي منسجما مع ما هو موجود في العالم، وخصوصا المتعلق بالعملات الصعبة وتوازن قيمة العملة الوطنية مع هذه العملات.
6) هل يمكن أن نستفيد من التضخم
العرض والطلب الصادرات والواردات والعديد من ثنائيات الاقتصاد التي تكمن صعوبتها في سهولة معانيها، والاقتصاد لا شك لعبة معقدة، وحتى اسوء أنواع التضخم قد يكون مفيدا للاقتصاد من قبيل أن ضعف العملة قد يؤدي إلى تقليل تكلفة الإنتاج وبالتالي زيادة الصادرات.
وهذا ما ينعش الاقتصاد بالعملة الصعبة التي تنعكس بدورها على تنمية الاقتصاد في حلقة من النمو المتبادل بين كل قطاع وما يقابله، ولكن ذلك التضخم المفيد ربما يكون كذلك عندما نتحدث عن دول منتجة للصناعة كاليابان والصين وغيرها، لكن عند الحديث عن دول تطبع المال لتدفع الديون أو تمول العجز فلا مجال للحديث عن فوائد وازدهار.
7) ماذا أفعل في زمن التضخم
يؤثر التضخم الاقتصادي والمالي بشكل مباشر على القوة الشرائية للأفراد والعائلات، ولا تنجوا حتى الشركات من تبعات التضخم خصوصا إذا كانت تستورد المواد الخام بالعملة الصعبة من الخارج، لكن هذه الشركات تخسر وتربح في نفس الوقت مما يمكنها من الاسمرار.
لكن ماذا عن الأشخاص الذين يحولون شق طريقهم في هذا العالم المعقد، بالنسبة لهاؤلاء يجب أولا الامتناع التام عن أخد القروض في أوقات الازمات، ومراجعة النفقات بشكل دوري لمنع تسرب الأموال من يدك إلى الغير خصوصا تلك النفقات الغير ضرورية.
وفي حالة نجاحك في توفير بعض المال عليك أن تسثتمره بذكاء وحذر، فأوقات الازمات تصنع فيها الثروات لكن تحقق فيها الخسائر الكبيرة أيضا، ولا تنسى ان لا تضع كل البيض في سلة واحدة، وأن تنوع مصادر الدخل والاستثمار كذلك.